العالم الإسلامي
"الأزهر" .. بين الجدار والعار
بيان
الحمد لله الذي أمرنا أن نخشاه ولا نخشى أحدًا سواه، وأن
نقول الحق لا نخشى فيه لومة لائم، والصلاة والسلام على رسول الله، القائل: (من
كَتَمَ علمًا الجمعه يومَ القيامة بلجام من نار)(1)،
فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين، ثم أما بعد:
فإننا من واقع خشيتنا من الله، ومسؤوليتنا عن
أمتنا وأهلنا في "غزة" خاصةً نعلن حرمة إغلاق معبر رفح من أعلى، وبناء الجدار
الفولاذي من أسفل، لإحكام خنق أهل "غزة" إخواننا في الإنسانية والإسلام والعروبة والجوار
والجهاد والاضطرار. وذلك رضوخًا للإملاءات الصهيو أمريكية؛ لكن غرابتنا أشدّ
ودهشتنا بلا حد، أن ينقلب الأزهر على رسالته السامية مشيخةً ومجمعًا للبحوث، فيصدر
بعض أعضائه قرارًا تسويغيًا لجريمة بناء الجدار وهو تلفيق باطل شكلاً ومضمونًا
وليس اجتهادًا شرعيًّا. وذلك من نواح عدة أهمها :
1 – الفتوى باطلة من الناحية الشكلية؛ حيث لم
يكن موضوعها مدرجًا في جدول الأعمال، ولم تقدم فيه بحوث، ولم يُدعَ كل أعضاء
المجمع، ولم يناقَش باستفاضة، ولم يعرف الموافق من المخالف، وهذا كله يخالف لوائح
مجمع البحوث الإسلامية، وأصول المجامع الفقهية في اتخاذ القرارات والاجتهادات
الشرعية .
2 – الفتوى تجعل مجمع البحوث الإسلامية يناقض
نفسه في فتاواه السابقة التي أكدت على أن الخطر الأكبر على الأمة ومقدساتها من
الكيان الصهيونيّ، كما شددت على وجوب جهاد الصهاينة وتحرير فلسطين كاملة وتحرير
المسجد الأقصى، والمساندة بالمال والسلاح للعمل الفدائي، وأن ذلك واجب الأمة كلها،
وكان على المجمع أن يبيِّن العلل التي جعلته يناقض نفسه، وينقلب على قراراته
السابقة .
3 – تخالف الفتوى النصوص الشرعية القطعية
دلالةً وثبوتًا الموجبة لدعم – لا خنق – الجهـاد بالنفس والمال لتحـرير الأرض
والمقدسات، وإنقاذ الأسرى والانتصار لإخواننا في الدين والعروبة والإنسانية ضد ما
يقوم به الكيان الصهيوني من جرائم حرب هزت أحرار العالم أجمع .
4 – مخالفة الفتوى لاتفاق العلماء الأثبات
ذوي الخشية القلبية والحجة الشرعية على وجوب قتال كل من غزا ديار الإسلام، والحد
الأدنى إن لم نساعد إخواننا في "غزة" ألا نشارك في تكريس الحصار أو بناء الجدار، كما لايجوز
إمداد العدو بالغاز والحديد والأسمنت بأبخس الأثمان ونفتح الأسواق لمنتجاته بأعلى
الأسعار .
5 – لم تراع الفتوى الجانب الإنساني في حق
إخواننا في "غزة" في الحياة الكريمة، ولا حق الإخاء الإسلامي الذي يوجب
كفالتهم شرعًا، وليس حصارهم قهرًا، ولا حقهم في الجوار الذي يوجب لهم منا غاية
الإحسان، ولا حقهم في ميدان الجهاد والمقاومة الذي يوجب تجهيزهم على الأمة عامةً
ومن جاورهم خاصةً، كما لم يراع أن أهل "غزة" أهل اضطرار ويجب بذل الفضل لهم، وأنهم في الحقيقة صمام
أمان للأمن القومي المصري ويجب التحالف معهم لا المشاركة في حصارهم والتحالف مع
أعدائهم .
6 – أن المشاركة في هذا الحصار وبناء الجدار
يدخل في الفقه الإسلامي في باب "القتل بالتسبب"، وهو يوجب عند فقهائنا القصاص أو الدية، خاصةً إذا كان
مع سبق العلم والعمد أن هذا الحصار والجدار سيضاعف قتل النساء والأطفال والرجال،
كما أن المشاركة تعني بكل وضوح أننا أذلة على الكافرين أعزة على المؤمنين؛ بما قد
يدخلنا في الولاء والنصرة للمحتلين الظالمين، والبراء والخذلان للمؤمنين المجاهدين
.
7 – القرار يخالف فتوى الاتحاد العالمي
لعلماء المسلمين، وفتوى جبهة علماء الأزهر، ورابطة العلماء في سوريا والجزائر
وفلسطين ولبنان، وعلماء من السعودية، وآخرين من أحرار العالم مسلمين وغير مسلمين،
بل إنها تخالف الضمير الإنساني الحي في كل مكان .
لهذه الأسباب ننكر هذه الفتوى الملفقة
المسوغة لمخازي الرضوخ لإرادة أعدائنا الصهاينة والأمريكان، وندعو علماء الأزهر أن
يرجعوا إلى الحق، كما ندعو الحكومة المصرية ألا تصم آذانها عن الاستجابة لعلماء
الأمة وأحرار العالم الذين يؤلمهم مشاركة مصر الكبيرة – تاريخًا وتضحيات – في قتل
وإذلال أهلنا في غزة، وهي معركة خاسرة في الدنيا والآخرة ، وندعو كل علماء الأمة
ورجالها ونسائها إلى التعاون على البر والتقوى في مزيد من دعم أحرار وأبطال غزة
والوقوف أمام خنق القطاع سواء بغلق المعابر أو ببناء جدار الموت اللعين .
والله ولي
التوفيق ..
الموقعون:
1 – أ.د.
صلاح الدين سلطان
أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة.
2 – وصفي
عاشور أبو زيد
عضو اتحاد علماء المسلمين.
ربيع الثاني – جمادى الأولى 1431
هـ = مارس - مايو 2010م ، العدد :4-5 ، السنة : 34